سورة القلم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القلم)


        


{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)}
{إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا قَالَ أساطير الاولين} استئناف جار مجرى التعليل للنهي وجوز أن يكون لأن متعلقًا بنحو كذب ويدل عليه الجملة الشرطية ويقدر مقدما دفعا لتوهم الحصر كأنه قيل كذب لأن كان إلخ والمراد انه بطر نعمة الله تعالى ولم يعرف حقها ولم يجوز تعلقه بقال المذكور بعد لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ولعل من يقول باطراد التوسع في الظرف يجوز ذلك وكذا من يجعل اذاهنا ظرفية وقال أبو علي الفارسي يجوز تعلقه بعتل وان كان قد وصف وتعقبه أبو حيان بأنه قول كوفي ولا يجوز ذلك عند البصريين وقيل متعلق بزنيم ويحسن ذلك إذا فسر بقبيح الأفعال وقرأ الحسن وابن أبي اسحق وأبو جعفر وأبو بكر وحمزة وابن عامر أأن كان على الاستفهام وحقق الهمزتين حمزة وسهل الثاني باقيهم على ما في البحر وقال بعض قرأ أبو بكر وحمزة بهمزتين وابن عامر بهمزة ومدة والمعنى أكذب بها لأن كان ذا مال أو أطيعه لأن كان إلخ وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه إن كان بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر في النهي عن قتل الأولاد عنى النهي في غير ذلك يعلم بالطريق الأولى فيثبت بدلالة النص والشرط والعلة في مثله مما لا مفهوم له أو على أن الشرط للمخاطب وحاصل المعنى لا تطع كل حلاف إلخ شارطا يساره لأن اطاعة الكافر لغناه نزلة اشتراط غناه في الطاعة وفيه تنزيل المخاطب منزلة من شرط ذلك وحققه زيادة للالهاب والثبات وتعريضًا ن يحسب الغنى مكرمة والظاهر أن الجملة الشرطية بعد استئناف وقيل هذا مما اجتمع فيه شرطان وليسا من الشروط المترتبة الوقوع فالمتأخر لفظًا هو المتقدم والمتقدم لفظًا هو شرط في الثاني فهو كقوله:
فإن عثرت بعدها ان وألت *** نفسي من هاتا فقولا لالعا
وقرأ الحسن أئذا على الاستفهام وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله أساطير الأولين.


{سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)}
{سَنَسِمُهُ} سنجعل له سمة وعلامة {عَلَى الخرطوم} أي على الأنف وهو من باب إطلاق مشفر على شفة غليظة لإنسان كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى وعبر بذلك عن غاية الاذلال لأن السمة على الوجه شين حتى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه في الحيونات ولعن فاعله فكيف على أكرم موضع منه وهو الأنف لتقدمه وقد قيل الجمال في الأنف وعليه قول بعض الأدباء.
وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل *** فكيف إذاما الخال كان له حليا
وجعلوه مكان العزة والحمية واشتقوا منه الأنفة وقالوا الأنف في الأنف وحمى أنفه وفلان شامخ العرنين وقالوا في الذليل جدع أنفه ورغم أنفه ومنه قول جرير:
لما وضعت على الفرزدق ميسمى *** وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
وفي لفظ الخرطوم استهانة لأنه لا يستعمل إلا في الفيل والخنزير ففي التعبير عن الأنف بهذا الاسم ترشيح لما دل عليه الوسم على العضو المخصوص من الاذلال والمراد سنهينه في الدنيا ونذله غاية الاذلال وكون الوعيد المذكور في الدنيا هو المروى عن قتادة وذهب إليه جمع إلا أنهم قالوا المعنى سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتًا بينا كما تقول سؤطوقك طوق الحمامة أي أثبت لك الأمر بينا فيك وزاد ذلك حسنا ذكر الخرطوم انتهى وبينه وبين ما تقدم فرق لا يخفى وقال بعض هو في الآخرة ومن القائلين بأن هذا وعيد بأمر يكون فيها من قال هو تعذيب بنار على أنفه في جهنم وحكى ذلك عن المبرد وقال آخرون منهم يوسم يوم القيامة على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره وقال أبو العالية ومقاتل واختاره الفراء المراد يسود وجهه يوم القيامة قبل دخول النار وذكر الخرطوم والمراد الوجه مجازًا ومن القائلين بأنه يكون في الدنيا من قال هو وعيد بما أصابه يوم بدر فإنه خطم فيه بالسيف فبقيت سمة على خرطومه وروي هذا عن ابن عباس والمعروف في كتب السير والأحاديث أن أبا جهل قتل يوم بدر والباقين ما عدا الحكم ماتوا قبله فلم يسم أحد منهم بذلك الوسم وكذا الحكم لم يعلم أنه وسم بذلك وان كان لم يمت قبل وعن النضر بن شميل أن الخرطوم الخمر وأنشد:
تظل يومك في لهو وفي لعب *** وأنت يا لليل شراب الخراطيم
وان المعنى سنحده على شربها وتعقب بأنه تنفيه الرواية بأن أولئك الكفرة هلكوا قبل تحريم الخمر ما عدا الحكم وهو لم يثبت انه حد على أنهم لم يكونوا ملتزمي الأحكام والدراية أيضًا لتعقيد اللفظ وفوات فخامة المعنى.


{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)}
{إِنَّا بلوناهم} أي أصبنا أهل مكة ببلية وهي القحط بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله «اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» {كَمَا بَلَوْنَا} أي مثل ما بلونا فالكاف في محل نصب صفة مصدر مقدر وما مصدرية وقيل عنى الذي أي كالبلاء الذي بلوناه {أصحاب الجنة} المعروف خيرها عندهم كانت بأرض اليمن بالقرب منهم قريبًا من صنعاء لرجل كان يؤدي حق الله تعالى منها فمات فصارت إلى ولده فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله تعالى منها فكان ما ذكره الله تعالى وكانت على ما أخرج ابن المنذر وغيره عن ابن جرير بأرض في اليمن يقال لها صوران بينها وبين صنعاء ستة أميال وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس هم ناس من الحبشة كانت لأبيهم جنة وكان يطعم منها المساكين فمات فقال بنوه ان كان أبونا لاحمق حين يطعم المساكين فاقسموا على أن لا يطعموا منها مسكنيًا. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه قال كانت لشيخ من بني اسرائيل وكان يمسك قوت سنته ويتصدق بالفضل وكان بنوه ينهونه عن الصدقة فلما مات أقسموا على منع المساكين وفي رواية أنها كانت لرجل صالح على فرسخين من صنعاء وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الاكداس وما أخطأه القطاف من العنب وما بقي على البساط تحت النخلة إذا صرمت فكان يجتمع لهم شيء كثير فلما مات قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال فحلفوا ليصرمنها وقت الصباح خفية عن المساكين كما قال عز وجل: {إِذْ أَقْسَمُواْ} معمول لبلونا {لَيَصْرِمُنَّهَا} ليقطعن من ثمارها بعد استوائها {مُّصْبِحِينَ} داخلين في الصباح وهذا حكاية لقسمهم لا على منطوقهم وإلا لقيل لنصمرنها بنون المتكلمين وكلا الأمرين جائز في مثله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8